الجمعة، أبريل ٠٦، ٢٠٠٧

فوزي في الغوّاصة


نقلت توتري و حالتي المزاجية السيئة لكل كائنات تلك الجزيرة المجهولة, و التي اضطررت للرسو على شاطئها بعد أن نفذ مخزون الأكسجين و الوقود من غواصتي الخضراء الصغيرة..
يبدو أن بن يقظان و روبنسون كروزو و توم هانكوزو و غيرهم كانوا أكثر هدوءاً و حكمة مني في هذه التجربة..
أن تقودك الظروف للحياة وحيداً في مكان بكر لم تطأه أقدام الحضارة و المدنية..
ليتني كنت أحضرت مزيدا من السجائر..
كنت أردد تلك العبارة و أنا في قمة الغضب, و تصادف مرور وحيد القرن و معه صغيره, فلما بادرني بالتحية و الترحيب بسلامة الوصول, أشحت عنه بوجهي و نهرته بنبرة حادة قائلاً: "طبعاً ما عندكمش سجاير و لا شيشة و لا أي حاجة في جزيرتكم الفقرية دي", فنظر لي بازدراء و قال: "ما ترد السلام طيب, أما انك واطي و قليل الأصل صحيح. بعدين إيه الغواصة العرّة بنت الوسخة اللي انت راكبها دي؟ عموماً أنا عامل دماغ فستكونيا و مش حضيعها عالهبل ده, بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام", وقبل أن ينهي عبارته اندفع صغيره في اتجاهي مسنتراً قرنه الوحيد في مرمى مؤخرتي لكن الأب صاح في آخر لحظة: "سيبك منه يا بني ده برضه ضيفنا".
ذهبت إلى غواصتي أفتش عن ما تبقى من طعام و شراب, و أدركت أن ما حملت لن يكفيني أكثر من ثلاثة أيام, فازداد غضبي, و خصوصاً حين اكتشفت أنه لا توجد أي علامة تدل على وجود تغطية إرسال لهاتفي النوكيا الذي ابتعته الشهر الماضي من شارع عبعزيز بالضمان.. و طبعاً البطارية ستحتاج لإعادة شحن حتى أتمكن من تسلية وقتي بالاستماع إلى الأغاني أو الاستمتاع ببعض الألعاب البضان .. و أثناء انشغالي بالتفكير في مصيري الكارثي على هذه الجزيرة, مر فيل رمادي بخرطوم معقود, ففعل مثل مواطنه وحيد القرن مرحباً بي و مهنئاً على سلامة الوصول, فصرخت في وجهه: "أكيد ما عندكمش شاحن نوكيا و لا بيتزا و لا أي زفت في جزيرتكم المخروبة دي, بعدين أيه أم زلومتك أم عقدة دي؟ هي ناقصة تعقيد بروح امكم؟"
نظر لي الفيل باستغراب و استهجان قائلاً: "بالراحة علينا يا كابتن, لولا إنك ضيفنا كنت طللعت ميتين أهلك بعدين إيه الغواصة المسخرة اللي جايلنا بيها دي؟, عموماً بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام"
تمتمت بيني و بين نفسي: " أحه.. إيه الجزيرة المناخوليا دي؟ انتخابات إيه بس اللي مسروعين عليها, أنا شكلي وقعت في نقرة هرتلة و لا حدش سمى عليا"
كِمْلت.. أهو الأخ غوريلا شّرف و جاي ناحيتي: "ألف حمد الله عالسلامة.. الجزيرة نورت حقيقي"
سألته بفظاظة: "خيلتوني منك ليه, إرحموا أمي و خللوني أشوف حعمل أيه في سنتي اللي مش فايتة, روح يا عم انتخب و حل عن سمايا"
"ها ها ها ها إيه الغواصة بنت القحبة اللي راكنها عالشط دي,شكلك عبيط ياد, راجعلك.. بس بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام"

كنت قاعد بولول زي النسوان, و بقول: الحقيني يامّا شوفتي اللي بيحصل لضناكي, و أثناء الولولة كنت بضرب كيس شيبسي لأسُدّ به بعضاً من جوعي..

مرت الساعات و أنا أتأمل نصيبي و حظي المنيّل قابعاً في غواصتي الخضراء الصغيرة التي نفذ منها الأكسجين و الوقود و بضعة أكياس من الشيبسي و لوحين من الشيكولاتة المبندقة (اللي فيها بندق)..
دخل الليل برهبته, و أصبح المكان شديد الوحشة..
بدأت ثورتي تخمد تدريجياً..تبدل الغضب إلى شعور بالانكسار... و الخوف, لم أستطع مقاومة دموعي التي انهمرت بغزارة لأول مرة منذ زمن بعيد.. بعيد جداً... على ما يبدو, نسيت طعم ملح الدموع, نسيت كيف كنت أترجم أوجاعي إلى بكاء, بدلاً من تحويلها إلى قسوة.. قسوة على نفسي و على من حولي.. ياله من جبروت مزّيف ذلك الذي نخترعه لأنفسنا ذات وجع, لندفن انكساراتنا تحت أساسات خرسانية مسدودة المسام.. لا تسمح لذرة أكسجين واحدة بالمرور.. ها هو الأساس الخرساني يتشقق, و ها هي المياه المالحة تنخر في أسياخ الحديد.. تتفتت شيئاً فشيئأ.. تنفجر الأرض المصنوعة.. و تظهر من جديد الأرض الأم.. يتسلل الأكسجين من جديد ليقبّل أرضه المسجونة تحت توابيت العلب الممسوخة.. (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)
كان هدير البحر يغازل ظلال النور التي حاكها قمر يقصّ الحكايات لنجمات و غيمات.. للرمال.. و لغابة مسحورة تنعس في حضن الجبال و لا تنام..
كيف لم أر كل هذا الجمال؟
تبدد الخوف.. تبدد انكساري.. ملأت صدري بذلك الهواء الجديد.. استنشقت حنيناً إلى حنين لم أتذوقه من قبل..(مزيكا متفائلة من متتابعة إنشكاح اليعسوب العائد إلى غيط الكستناء)

طرقات على نافذة غواصتي الخضراء الصغيرة..
خرجت..
وحيد القرن.. و الفيل و الغوريلا يتقدمون آخرين.. تعلو وجوههم ابتسامات ودودة (من المودة مش من التدويد)..
"بقيت أحسن دلوقتي؟"
قالوها و هم يحملون لي سجائراً و بيتزا (سي فود) و شاحن نوكيا أصلي (مع مولد كهربا)
لم يعطوني أية فرصة للاعتذار..
وضعوا الأغراض جانباً, ثم حمل كل منهم آلة موسيقية و غنوا جميعاً أغنية تتحدث عن الحب و الرضا و الوطن (من مقام بياتي اللا)..
سألتهم بعد أن شكرتهم: "هو انتوا انتخبتوا بجد؟ يعني عندكم انتخابات و استفتاءات زينا؟"
فشخر أحدهم (لم أتبين ملامحه عشان كان واقف ورا و الدنيا ضلمة)
" خخخخخ أحه.. يعني هو ده اللي لفت نظرك بروح خالتك؟ أمال ليه ما استغربتش من إن عندنا سجاير و بيتزا و شاحن نوكيا؟؟"
لحقت نفسي قبل ما يتأكدوا من هطلي و غبائي المتأصل: "لا يا عم الحاج انت فهمتني غلط, أنا كان قصدي هو الانتخابات و الاستفتاءات مضروبة عندكم زي عندنا؟"
أنا قلت البق ده من هنا و عينك ما تشوف إلا النور.. الحشد كله وقع على الأرض في نوبة من الضحك الهيستيري رجت أركان الجزيرة الهادئة.
سألت وحيد القرن (اللي بيعمل دماغ فستكونيا): "إيه يا معلم هو انا قلت حاجة غلط؟ همه بيضحكوا على إيه؟"
أجابني و هو لا زال يقهقه مقلوباً على قفاه: "هو انت جاي من هناك؟ نياهاهاها..."
...........................
انتهى..

الهي أشوف فيك يوم يا فوزي يا فاضحنا في كل حتة..



يا خي أحه..

50 تعليقات:

غير معرف يقول...

كدة برضه يا فوزي تفضح نفسك و تفضحنا و الحوانات تعرف ان انت جايلهم من المهروسة بغواصتك الخضراء النميسة اللي ما فيهاش شاحن نوكيا و لا سجاير و تضحكهم علينا؟ ...... يا أخي كنت قلتلهم انك جاي من أي حتة تانيه يمكن ما كانوش ضحكوا عليك و علينا ... خلاص مخك عطل يا فوزي. مش قادر تكدب كدبة بيضة زي قلب حكامنا وهما بيحاولو يمارسو عادتهم المقدسة في الكدب علينا .. ولا حمرا زي عنيهم لما تطق شرار و يقرورو وأد كل المدونين الاحياء منهم و الاموات في مستنقع خرا من بتوع هيئة الصرف الا صحي المتاخمه لأي مدينة او تجمع سكني ... ما كان عندك السنغال... ولا موريتانيا .... كنت قولتلهم انك فوزي ابن عبده ضيوف الرئيس السنغالي المحترم الذي خسر منصبه كرئيس في انتخابات نزيههههههههههة بالسنغال منذ عدة سنوات (مما حدا بي الى السفر خارج البلد بعدا ما اتفقعت و اتبضنت) .. او كان ممكن تقولهم انك فوزي ولداده ... اخو احمد ولداده ابن الرئيس السابق لموريتانيا و الذي خسر الانتخابات ايضا امام منافسه ابن ولد الشيخ في انتخابات نزيهة برضه ....شوف الصدف يا فوزي..؟؟ ... يا اخي مش كدة ... لو اتصلت بيا كنت قلتلك و نورتك ... مانا كنت في الناحية التانية من الجزيرة اياها بتاعة الحوانات الديموقراطية.

واحد مصري

غير معرف يقول...

ههههههههههههههههههههههههههه

حلوةدي يابوالليل .. دي من وحس مسلسل لوست دي ولا ايه :):)

FATMA يقول...

انا اول مرة اعلق هنا بس كنت بحب اقرا لك بس من غير كومنت
بس جميلة اوي و خصوصا لحظة ما تشقق الخرسانة

حــمــيدو يقول...

تسلم ايديك يابو الليل

يساري مصري يقول...

هههههههههههههههه
احه نيييييييك
يادين اممي على خيالك جامد نيــــــك

بس ياعم معرفناش الفيل ابن الاحبه زلومته كانت معقوده ليه
هههههههه

ربنا يسامحكوا ضحكتم علينا الخراتيت ( امال لو عرفوا اننا بنشرب لبن ببودرة السيراميك كانوا قالوا عالينا ايه

karakib يقول...

دمك خفيف أوي

ألِف يقول...

قوية جدا جدا

"سوريالية ضربية من الواقع الحيّ"

و هوب تقوم مسخسخ من الضحك

D:

غير معرف يقول...

أحة يا أبو الليل
إنت فقري بششششششكل
انا هلكت من الضحك لما وصلت لآخرها

احة بجد

Utrechty يقول...

يخرب بيتك يا فوزى يا ابن ام فوزى
فعلا خيالك فظيع
بس كله كوم والنوكيا اللى من شارع عبزيز ابو الضمان . . اهى دى لوحدها محتاجه شخره دوبل من بتوع فوزى نيهاهاااااااااااا

اشطه بالعسل

غير معرف يقول...

جامده يا ابوالليل
بس بخصوص تشرخ الخرسانه والحديد
انا سمعت انك خريج هندسه
ده صحيح.؟

غير معرف يقول...

عندك قدرة غريبة يا بو الليل على تخويل الواقع إلى ملهاة و الملهاة إلى واقع بأسلوبك الخاص جدا
حدوتة و سرد عالي عالي

تحياتي

غير معرف يقول...

احلي شخرة اسكندراني تحية لابو الليل البرنس .... فعلا انا نسيت طعم الملح بتاع الدموع ده و قسوتي للاسف علي اقرب الناس ليا فلو سمحت يا ابو الليل ممكن استلف غواصتك بنت المتناكة دي و ارووح هناك يمكن اعرف اعيط هناك و ماتخافش هابقي اقول ان فوزي ده بيهيس و هحكيلهم علي امجاد بلدنا و ابقي قابلني لو مالئيتش وحيد القرن بقي امين التنظيم و محتكر الحديد كمان ... و العنب العنب العنب ... نياهاهاهاهاهاها

غير معرف يقول...

اسف ... نسيت اضيف الاحة المعتادة ... احححححححححححححححححححححه وصاية .. اسندني

غير معرف يقول...

العزيز ابو الليل
في غمرة انشغالي بالتعليق على المغامرة الاخيرة للفوزي الرحالة نسيت اقولك حاجة اهم من التعليق ميت مرة.... أبو الليل... أحسنت فيما كتبت ... كتابات رائعة..... سهل ممتنع ... مضحك الى حد البكاء من فرط الواقعية المزينة بالكثير من الهزل لدرجة العبث... بديهة حاضرة سريعة و قدرة لا حد لها على الملاحظة و النقد..... نرجو من الله ان يعينك على الاستمرار في كتاباتك الجميلة....و تعظيم سلام يا ابو الليل

واحد مصري

bluestone يقول...

الله يحرقك يا فوزي ضحكت علينا الخراتيت ..
دايما فاضح نفسك في كل حتة ..
لا وايه رايح تقولهم انت من انهي داهية
يا اخي إذا بليتم ابقوا استخبوا عشان فضحتونا قدام الخلق ....

وعلى فكرة يا فوزي
الشعب قال كلمته وانت مسافر

غير معرف يقول...

و الله جامدة نيك يا أبو الليل

باشا يقول...

احة

Anima يقول...

يبقى على كده كلنا جايين من هناك
بوست جميل و خبال واسع أجمل

Khalid يقول...

best i read in a white:))

and Fawzi is using more advanced graphics programs with time, i noticed!

daktara يقول...

ايه يا عم الجمودية دي
التصميم رائع
د. خالد عزب

أبو الليل يقول...

خالد جرار
daktara
الغواصة المرسومة مش من تصميمي, لقيتها بالصدفة المحضة في أحد مواقع ورق الحائط لا مؤاخذة و للأسف مش مكتوب إسم المصمم
ربنا يستر و ما يكونش بيقرا عربي و يحطني في حديد بتهمة الهبر من ملكيته الفكرية لا مؤاخذة
أنا كبيري شوية لعب بأحد برامج الجرافيك البدائية

واحد مصري
أشكرك كثيراً

الجميع
شرفتم و نورتم المطرح
فرداً فرداً
:)

كلبوزة لكن سمباتيك يقول...

نت حنين قوي يا ابو الليل و اخيرا عرفت مخبي حنيتك دي فيت و حجيب ديناميت و افجر الصخر و اطلع الحنية دي و اوزعها على البلوجرية

عربيتك في الحفظ و الصون عندي
و لو بعد ميت سنة

بس ممكن تشوفلي واحد مستكشف فحم يعرفني يعني اية هابي نيو يير
اوعى تكون كلمة ابيحة
:))

غير معرف يقول...

اعلق معلقش
اعلق ماعلقش
البوست جامد جدا بس الالفاظ واطيه جدا
على فكره دي احسن مدونه عربيه دخلتها لحد دلوقت
تحياتشي

شجره الدر يقول...

هو احنا مشهورين اوى كدا
ده هناك ده بقى عالمى
واضح اننا انفضحنا
يخرب بيتك يافوزى يامسيطنا
موش عارفه اقولك انا باجى المدونه دى من زمن من ايام ماكنت عامله مدونه ام المريله كحلى وبعديها بكتير لغايه دلوقتى وانا كل مااجى هنا اقعد اضحك
بس تحيااااااتى

علان العلانى يقول...

فوزي وأزمنة الغوص
قراءة

فوزي فى الغواصة هذا العنوان غاطس فى مباشرته ولكن الغوص كما فى الأعماق يكون فى الواقع أيضا وفى انعكاس هذا الواقع على هوامش المعنى وكذلك الصورة (تصميما أو اختيارا) هي وجه فوزي المرئي تعكس الرؤية الفوزوية، الى جانب إزاحة الكمالة بعد الإشارة للأجازة—فعندما نسأل كنت غائصا/غاطسا فين؟ فلهذا السؤال دلالته التى توحي بأن السائل يتشكك أنه سوف يجد لسؤاله جوابا واضحا بين الأعماق والواقع وأنه يشيرفقط لانتباهه للغياب وما قد يحيط به من غموض--- بين الرؤية الفوزوية وبين الغوص وتلك الجزيرة التى وصلها فوزي غائصا هذه المرة بعدما وصل لجزيرة مشابهة جاريا (1)، لا بد للقراءة أن تتوزع داخل الفوزويات: مع فوزى الكلب- فوزى اعتصامات- وأيضا نموت نموت وتحيا نوكيا- فى شبكة تناص تغوص فيها المعاني على امتداد زمن المدونة نفسه.


النص والهروب الاضطراري من المعنى

الهبوط الاضطراري يستخدم فيه الطيار كل خبرته للنجاة بطائرته/نصه فى المساحة المتاحة وفى حرص شديد من الارتطام وهكذا تحمل بداية النص مجموعة من إجراءات في شكل كلمات: توتري/ اضطراري ، يبدأ النص بسهم سردي تقريري وحاسم: " نقلت توتري و حالتي المزاجية السيئة لكل كائنات تلك الجزيرة المجهولة" والمباشرة هنا تفتح نوافذ المخيلة على أسباب التوتر والحالة المزاجية السيئة من جهة، والغموض الذي يلف الإشارة إلى الجزيرة المجهولة من جهة أخرى(2) وفى ملاحقة سردية يغزل بهاالراوى نسيج الحكي يلحق بسهمه السردي الأول معلومات مرتبة تلا حق تسائلات القارىء وهى تتكون فى مخيلته بكيف وأين ولماذا موضحا: "التي اضطررت للرسو على شاطئها بعد أن نفذ مخزون الأكسجين و الوقود من غواصتي الخضراء الصغيرة.. يبدو أن بن يقظان و روبنسون كروزو و توم هانكوزو و غيرهم كانوا أكثر هدوءاً و حكمة مني في هذه التجربة". بين أجوبة الراوي واستباق مخيلة القارىء هناك حكي حي ومتفاعل ينساب فى دائرة التواطىء التي تفتح بينهما بابا للتواصل السردي، إلا إن هناك علامة لا تخطئها العين- إسم علم يفلت رغم التمويه حي بن يقظان - يشيد للمعنى جسرا من التوتر في هذه التجربة، فحي بن يقظان يختلف اختلافا جذريا وجوهريا عن كل التجارب التالية، فهو نشأ بالكامل خارج نظام/خطاب السلطة وسلطة الخطاب فهو لم يكن متعلقا بنظام أو هيمنات متصارعة بخلاف روبينسون كروزو وغيره الذين حدثت معهم قطيعة بين تكويناتهم وما أضطروا اليه من العزلة فقد كانت ذاكرتهم الأستهلاكية تحاصرهم بينما بن يقظان فى انسجام مع محيطه غير مستعبد له. لقد كان فوزى يعلم بهذا المأزق من قبل ففي محاورة سابقة بينه وبين أبو الليل فى مار س من العام الماضى في" نموت نموت وتحيا نوكيا":

"فوزي: آه جينا لكلام الشيوعيين و الحقد الطبقي.
أبو الليل: كس ام غباءك يا فوزي انت مش فاهمني.. الشركات اللي بتقدم سلع إستهلاكية , أهم ناس فيها, همه الناس اللي بيرسموا استراتيجيات الدخول إلى شيفرة نفسية المستهلك, يعني بالبلدي إزاي أخللي واحد زي فوزي يوصل لمرحلة يشعر فيها, إن اقتناء موبايل حديث و متطور هو احتياج حقيقي و ليس مزيفاً, الرغبة في امتلاك شيء قد لا تحتاجه, لكنه شيء يستطيع إبهار مناطق ما من متطلباتك الحسية و المعنوية, إنه فن و علم يا فوزي.. فن سحب النقود من جيوبك يا فوزي.."

ولكن الأمر لا يتوقف عند سحب النقود من الجيوب أنه يخلق حالة اعتياد تتحول إلى حالة استعباد، فما هى احتياجات فوزي عندما انقطعت به السبل "ليتني كنت أحضرت مزيدا من السجائر" (هامش جانبي:علاقة فوزى مع السجائر تعطى انطباع بأنه لم يغادر فصول الثانوية العامة أو أمضى الكثير من الوقت معتقلا فهي إحدى العلامات الملازمة لفوزى إلى جانب البيض والتونة وأشياء أخرى وتمثل مع التونة حجة الغياب) . وهكذا إذا لقد أنجز الراوى فيما لا يتجاوز خمسة سطور عملية الرسو بالنص ليبدأ فى رسم معالم الرؤية بداية من "كنت أردد تلك العبارة وأنا في قمة الغضب" إلى أخر حديثه مع الغوريلا "ها ها ها ها إيه الغواصة بنت القحبة اللي راكنها عالشط دي,شكلك عبيط ياد, راجعلك.. بس بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام".

يتكلم فوزى بسهولة وعفوية شديدة مع حيوانات الجزيرة وتبدوالحيوانات مأنسنة في مشاعرها وردود أفعالها وانفعالاتها وكأنها تنتمى لأوساط الطبقة المتوسطة أي القطاع المؤثرفى الخطاب الشعبي، والراوي لا يسقط فى محاولة اختراع عالم موازي ومثالي (مثل عالم الخيول في الجزيرة الأخيرة التي رسى عليها جلليفر) فوحيد القرن يتكلم كمعلم صاحب مزاج ويعرف الأصول و" راسي" وأبنه ينفعل كفتوة نشأ فى عزوة تصارع به للجدعنة وعدم احتمال الاستهتار--- وهكذا وكأننا فى حفلة تنكرية لحيوانات تتخذ أوضاع أنسانية أو بشر يتفاعلون في أشكال حيوانية، لعل الكلمة المفتاح التى حددت مسار السرد هي كلمة " انتخب " التي تعود على لسان كل واحد من الحيوانات القادرة على معاقبة فوزي على استهتاره لتؤجل ذلك لما بعد الانتخاب ثم ذلك الحرص على الانتخاب من أقوياء الغابة فى الجزيرة وأخيرا ذلك التوازي والارتباط بين هذا الحدث الانتخابى من جهة و بين النوكيا وشاحنها والبيتزا والانتخاب (الديمقراطية ) كحزمة واحدة على مبدأ
take it or leave it
هذا التلازم الذى سوف يعود فى نهاية النص بين رحلةبعد اتمام الانتخاب وانفراج أزمة الغريب(فوزي) الاستهلاكية:
"وهم يحملون لي سجائراً و بيتزا (سي فود) و شاحن نوكيا أصلي (مع مولد كهربا)" وأيضا في "خخخخخ أحه.. يعني هو ده اللي لفت نظرك بروح خالتك؟ أمال ليه ما استغربتش من إن عندنا سجاير و بيتزا و شاحن نوكيا؟؟"
لحقت نفسي قبل ما يتأكدوا من هطلي و غبائي المتأصل: "لا يا عم الحاج انت فهمتني غلط, أنا كان قصدي هو الانتخابات و الاستفتاءات مضروبة عندكم زي عندنا؟" أنا قلت البق ده من هنا و عينك ما تشوف إلا النور.. الحشد كله وقع على الأرض في نوبة من الضحك الهيستيري رجت أركان الجزيرة الهادئة"

وهكذا طبيعي تأتى الحكمة من وحيد القرن فى عالم اصبح وحيدا للقرن ولم يعد متعدد القرون ---هذا فى نهاية النص
(ولكن---) فى منتصف النص وبحرص شديد يضع الراوي خبيئته:

-- كنت قاعد بولول زي النسوان, و بقول: إلحقيني يامّا شوفتي اللي بيحصل لضناكي, و أثناء الولولة كنت بضرب كيس شيبسي لأسُدّ به بعضاً من جوعي..
مرت الساعات و أنا أتأمل نصيبي و حظي المنيّل قابعاً في غواصتي الخضراء الصغيرة التي نفذ منها الأكسجين و الوقود و بضعة أكياس من الشيبسي و لوحين من الشيكولاتة المبندقة (اللي فيها بندق)..دخل الليل برهبته, و أصبح المكان شديد الوحشة..بدأت ثورتي تخمد تدريجياً..تبدل الغضب إلى شعور بالانكسار... و الخوف, لم أستطع مقاومة دموعي التي انهمرت بغزارة لأول مرة منذ زمن بعيد.. بعيد جداً... على ما يبدو, نسيت طعم ملح الدموع, نسيت كيف كنت أترجم أوجاعي إلى بكاء, بدلاً من تحويلها إلى قسوة.. قسوة على نفسي و على من حولي.. ياله من جبروت مزّيف ذلك الذي نخترعه لأنفسنا ذات وجع, لندفن انكساراتنا تحت أساسات خرسانية مسدودة المسام.. لا تسمح لذرة أكسجين واحدة بالمرور.. ها هو الأساس الخرساني يتشقق, و ها هي المياه المالحة تنخر في أسياخ الحديد.. تتفتت شيئاً فشيئأ.. تنفجر الأرض المصنوعة.. و تظهر من جديد الأرض الأم.. يتسلل الأكسجين من جديد ليقبّل أرضه المسجونة تحت توابيت العلب الممسوخة.. (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)
كان هدير البحر يغازل ظلال النور التي حاكها قمر يقصّ الحكايات لنجمات و غيمات.. للرمال.. و لغابة مسحورة تنعس في حضن الجبال و لا تنام..
كيف لم أر كل هذا الجمال؟
تبدد الخوف.. تبدد انكساري.. ملأت صدري بذلك الهواء الجديد.. استنشقت حنيناً إلى حنين لم أتذوقه من قبل..(مزيكا متفائلة من متتابعة إنشكاح اليعسوب العائد إلى غيط الكستناء)--

كعزف منفرد أو كالصورة فى البرواز يخطف الراوي الأبتسامة ويزيحها قليلا لحساب هذا الجانب الذى أصبح معهودا فى فوزي تلك" الجذبة" التى تبرق فجأة كبرق يبدوا من جانب النص ويوشم علامته بإضاءة سريعة ترسل رسائل مفتوحة لنوع من الوعي مدرك وملموس ولكنه مسكوت عنه ومحاصر بخطاب جاهزللسخرية منه لهذا يحرص الراوى على أن يكون هو نفسه أول الساخرين منه في البداية (قاعد بولول زي النسوان) و في الختام (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)، ولكن مع ذلك تبقى هذه الجذبة كرسالة مشفرة محاطة بكل عوامل تمويهها تترك" لتنتخب" متلقيها وتراكم لفوزي هذا الخيط شديد المتانة الذى يربطه بعمق بواقعه عميق الغور وأصل جذوره ما يشابهه فى هذا الخطاب مع هؤلاء الظرفاء قي تاريخ السرد العربى كأبو دلامة وجحا وعيسى ابن هشام حتى نصل لفلاح كفر الهندوه هذا الخطاب شديد الالتباس لكنه التباس مقصود ورائه رؤية تديره بانتباه ودراية وما هو جدير بالاحتفاء أن التواصلات مع النص تلامست مع هوامش المعنى بسهولة شديدة

أبو الليل

تحية وتقدير على هذا النص المتجاوز

الهوامش
(1) راجع الفوزيات مقدمة نص" فوزى الكلب"
(2)هنا موضع سردى شديد

غير معرف يقول...

يا فااجر

غير معرف يقول...

روعة يا بو الليل
و تحليل علان العلاني عجبني قوي
و على فكره انا خدت بالي من عمق الغوص المكتوب على الصورة و هو 179 متر و الرقم ده اكيد مقصودبيه المادة اياها
ربنا يقويك و يديك الصحة و العافية و تواصل ابداعك

دعاء

мїяάЖάгїм ™ يقول...

نوع جديد جدا من الادب (او قلة الادب ، مش هاتفرق) اهنيك عليه
بجد الاسلوب مع انه غلريب لكنه جميل جدا ، ممتع
واصل يا مان

أبو الليل يقول...

صديقي علان العلاني
أثناء غوصي في قراءتك (غوصك في غوصي), لاحظت أنني لم أعد بحاجة لاستخدام مخزوني من الأكسجين, فمع تواصل الدهشة و مع دهشة التواصل تسير الأمور على خير ما يرام, يستمر جنون ألعاب حكيُ الحكي بين الوثب و التحليق في دهشة الانتباه و حميمية الأثر.. و الوجود
........
ملاحظة: الكماله بتجيب تونة و راجعة
:)

لك مني كل الحب
كل الاحترام

^ H@fSS@^ يقول...

ههههههههه
مش معقول انت عالم تاني خالص
الف مبروك العمودية يا باشا

بس بجد انت المفروض تحول نصوصك على ديزني و يعملوها كرتون و اهو انت تكسب فلوس و شعبنا الجاهل يتثقف شوية بجد انت جبار تحياتي

viva egypt يقول...

حلوه فشخ توضيح استبطانى للواقع البضانى بعد الفشخه الدستوريه التى اصابت صميم الحركه الدوديه للعضو اياه المغروس فى مؤخرة الغواصه الخضراء والذى زادت حدة انتصابه بعد الاعلان عن الوجه الحقيقى للنيكه الدستوريه التى تم رشقها فى مؤخرة المواطن ليمر عبرها الوريث الى مؤخرة ما اححححححححححححححححححححححححححححححححا

غير معرف يقول...

مش عارف أقولك إية ، بجد بتفاجئني بكل موضوع من مواضيعك ، أنا بدخل كل يوم أدور في مدونتك على أي حاجه حتى لو خط جديد

مش غريب يختاروك أفضل مدون مصري

لك إحترامي

MenTo

قنديل يقول...

يا أبو الليل
إرحم فوزي لأنه مات
وصوته بقي بوق سكات
ورجوعه عايز معجزات
عرفوا يخرسوه الأوغاد
ومابقالناش غير الآهات
والترحم علي زمن الأمجاد
إرحم فوزي لأنه مات

غير معرف يقول...

أبو الليل
بقي ده كلام يا كبير-- يصح كده واحنا لسه بنقول ياهادي-- فوزي مات كده مره واحده

طب بذمتك أأقول ايه للمقندل ده بعد الكلام مع الحيوانات غير أبوك السقا مات

ولا أقولك خد عندك

أهاتك فيها شكمنجات
وزمانك ده فسكونيات
فوزي يا مقندل عنتيل
لايهمه غوريلا ولا فيل
وبعونه العمر طويل
بس أنته بطل تهويل
ولع قنديلك يا تقيل
واركز كده بلا بلح أمهات

هشام علاء يقول...

جامدة نيييييييييك

احييييك من تلاففيييييف قلبى

تلفوف تلفوف

غير معرف يقول...

ايه الحلاوه دي يا ابو اليل متحرمناش من الحجات الجميله دي

غير معرف يقول...

حلوة جددداااا

بس الغواصة اللي في الصورة مش خضرة

او انا اللي عامل دماغ فسكونيا

علان العلانى يقول...

بوح

كل سنة وصداقتكم على هيئتها الأولى، تركت لك يوم أمس للتواصل مع حضورها وحضوره الذي أعرف أنه لاينقطع

تعيش وتفتكر يا صاحبي

غير معرف يقول...

قوللي يابو الليل .. هو انت خريج هندسة القاهرة؟؟ ... مش عارف ليه حاسس اني أعرفك :)
بس بجد مدونة شديدة يا معلم
طارق

غير معرف يقول...

فوزي جاب معاه من الجزيره اياها فسكونيات او خد توكيل من تجار الجزيره يا ريت يا بو الليل تعمل حسابي انا والشله الا الفسكونيا دي بتتباع بالكيلو ولا باللتر ولا بالحته بس على الله ما تكونش زي ال فص كونيا اللي عندناا

أبو الليل يقول...

صديقي علان العلاني
"تسعدنى صداقة من يعرف حق الصديق حيا وميتا.."
و يومها أيضاً انتقلت التيمة لمكانها الأجمل, الذي يمتد بين هنا و هناك في تواصل فريد بين بوح الكتابة و حكي الكلام,بين حكمة واياوي و عبثية فوزاوي..
حياتك الباقية يا.. صاحبي..

zenzana يقول...

دوس دوس ميهمكش

افتكاسة حلوة وجامدة
هههههههههه

تمر حنه يقول...

مزيكا متفائلة من متتابعة إنشكاح اليعسوب العائد إلى غيط الكستناء......
فى رأيى المتواضع أن البطل هنا هو ذلك اليعسوب
كم من الوقت انتظر عودته للهو فى غيط الكستناء ..فاليعسوب هو الأثير لدى
مرحى مرحى .. هاقد انتشى الكستناءلقدوم اليعسوب
هاقد انتشت وجنتيك لهطول الملح و لسوف تنبت الكرزات ثانية..
بالمناسبة دى غواصة تخرج بيها؟ كسفتونا الله يحرقكوا

غير معرف يقول...

ابو الليل المثل بيقول : اللى يخرج من داره يتقل مقداره...ماله الحمار الحصاوى البرمائى ...و عمره ما يشتكى...و وقوده طبيعى

لترين برسيم...و الاكسيليراتور شى يا حمار

ملحوظه ...الستاير القديمه للمدونه كانت احلى ..الستاير الجديده ذوقها فحلقى زى ذوق ستاير الواد عطوه حلاق البهايم...و اخيرا اصحى بقى يا ابو الليل ...نومتك طالت خش فى الجديد

مع خالص تحياتى
نائب عمدة كفر ابو طحين

WaNSaN يقول...

غيبتك طالت يا برنس ... اوعي يكون الانبعاث الثانوي لهاجس تشظي الحدث يكون اثر عليك و افقدك خيالك ... مستنيييناك يا كبير ... احه

Khalid يقول...

عزيزي ايو الليل.
لقد قرأت عيناي التعليقات الاخيرة المحلقة في سماء الهروين، فتعبقت مناخري بنسيمها، و امتلأ قلبي استغرابا من مدى زرقتها، فقررت ان استلّ سيف الشموخ، و أغمسه في رشقة من زيت الزيتون، لأغرسه في سماء التخيلات، و أرجعه مزينا بطعم الفول.
أما و قد قلت هذا، فتمر حنة قد اصطفت مع غدوة الفجر، لتهديك يعسوبا اخضر، يسير على يديه، و يعزف الكمان برجليه، متجليا بحنين...ما بعرف لمين.
أما ونسان الحزين، فقد اثقل كاهله حديث الذكريات، حتى ما عادت تشنجاته تغطي مفاهيما يتوزع نطاق ذبذباتها ضمن طيف الواقع، فخرج من طور الهلوسة الى طور التعليق رأسا على عقب في سماء الإبداع، مسببا دغدغة كل المارين في السماء، و خافضا ضغط الأرض عليها، و معلنا حرية الجميع...مساءا.

غير معرف يقول...

والنبى يا اخ فوزى تكتب شوية عن المعرص اسامة خرايا(سرايا) طبعا انت عارفة المعرص بتاع الاهرام الراجل الواطى ده بضنى اوى من كتر المضمضة فى بتاع حسنى وخايف بعد كده يمضمض لسوزى و باقى العائلة الواطية وسلامى ليك يا ابو الفوز

zizophone يقول...

جاااااااااااامد خووووووووووول انت عبيط يااسطة في حد ميعرفش الي بيحصل فينا دة مش فينا احنا بس دة في العالم كلة

غير معرف يقول...

طيب

Unknown يقول...

بص يا عم الحاج
أنت كلامك عشره على عشره
بس انت عارف مشكلنك أيه
لو تبطل قله الأدب بتاعتك دى
صدقنى
الناس دى كلها عجبها كلامك علشان هو فعلا كلام كويس
مش علشان الكلمتين الى ملهومش لازمه فى النص دول